مات عمر دوكم متأثراً بجراحه.
التقيته قبل اغتياله بيومين فقط في كافتيريا بجولة المسبح بتعز، بعد سنوات طويلة من الغياب، كان يرتدي قميصاً ذو أكمام قصيرة ويدفع ثمن العصير الذي تناوله.
نحيلاً ومتواضعاً ومتخففاً بالزهد من شٙكٙل الدنيا وثقلها الجاثم على الصدور، تبادلنا التحايا الحميمة وتحدثنا عن آخر الأخبار، أعجبه مقالي أخبر كما قال، جاء ذو يزن السوائي وكان لا بدّ من الذهاب، تبادلنا أرقام الهاتف على وعد بلقاء قريب يستمر فيه النقاش والعمل من أجل تعز.
لم يمض على الوعد يوم ونصف حتى اختطفت يد الغدر والإرهاب عمر دوكم، غيلة، جوار المسجد الكبير الذي يخطب فيه، جامع العبسائي، والذي شهد صولاته وجولاته، ليقع بين يدي الرحمن، ينازع الموت ويكابده، حتى انقضت أنفاسه اليوم، ورحل عنا واحد من أنبل القادة الشباب والوعاظ المتنورين والمثقفين الطليعيين والمجددين الأخلاقيين.
رحل عمر دوكم وأخذ معه بعض من أندر وأجمل ما فينا، هذا الاحترام المبجل لله ودينه وخلقه وصنعه وكرامة الإنسان، وذلك الزهد والبعد عن المطامع واللهاث المرضي خلف المال والسلاح والنفوذ، وتلك الأمانة الفكرية والضمير الصادق والروح المحبة التي لم تعادي أحداً ولا شيئاً سوى الكراهية والأحقاد..
رحل الشاب النبيل والبسيط والمتواضع، المشتغل بالفكر والقيم والأخلاق، المسكون بالتسامح والتفتح والرحمة والتعاطف الانساني، صاحب الذائقة السليمة والتهذيب العالي والسلوك الرفيق الرقيق، رحل عمر دوكم الذي شنف قلوبنا بالمحبة وعقولنا بالتقدير تاركاً صدورنا مشحونة غضباً وكمداً على كل من ساهموا بقتله، بالفعل والقول، تخطيطاً وتآمراً وتنفيذاً وتنظيراً وتستراً وممالأة، رحل عمر دوكم وها قد أصبحت الساحة بعده أكثر ظلاماً ووحشة وهلعاً وفزعاً وخوفاً ورعباً وذهولاً ومشقةً وارتجافاً ومكراً وجبناً وذلاً وحسرة.
إن فقدان رجل كهذا لهو الخسران الكبير، إننا نفقد كل ما انجزه هؤلاء من تراكم صنعوه بالجهد والكد لبناء العقول وحماية الغد من التشوه والإيحال، وهاهم أولاء يتساقطون واحداً فآخر، وكل من هم مثلهم أو أقل منهم بكثير أصبحوا في مرمى القاتل المأجور على بعد بوصات قليلة زمناً ومكاناً من بندقيته.
لقد خسرنا اليوم رجلاً شجاعاً، فذاً وأصيلاً وزاهداً وصادقاً ونقياً، ولعله بحق أحد أنبل الشباب الذين أنجبتهم هذه المدينة على الإطلاق.
حزني عليك يا دوكم ليس له حدود ولن تنفع معه المراثي..
أنتم السابقون ونحن اللاحقون،،
دوكم.. حزن لا تنفع معه المراثي
2018/04/02 - الساعة 11:09 صباحاً
إضافة تعليق