في مدينة تعز، المنكوبة بالحرب والحصار المتواصل منذ أكثر من عامين، تشير اﻹحصائيات الطبية إلى تزايد عدد المصابين بوباء الكوليرا بوتيرة مخيفة. في ظل إمكانيات شحيحة وعدم وجود أية خطة لمواجهة الوباء الذي بات يحصد ارواح المواطنين معلنا حربا جديدة.
وبلغ عدد الحاﻻت المشتبه اصابتها بالكوليرا في محافظة تعز، نحو 15 ألف مصاب، بينما تجاوز عدد الوفيات أكثر من 100 شخص.
تقول الدكتورة ايﻼن عبدالحق، أن مركز المعالجة في مستشفى الجمهوري أستقبل يوم أمس اﻷول، 224 حالة مصابة باسهاﻻت مائية حادة، خﻼل 24 ساعة فقط، مشيرة إلى أن الوضع يزداد سوء. ليصل عدد حاﻻت اﻹصابة خﻼل نفس اليوم إلى 14754 حالة.
وتشير عبدالحق، التي تشغل موقع نائب مدير عام مكتب الصحة في تعز، وتشرف على مركز المعالجة في المستشفى الجمهوري، إلى أن تفاقم الوضع الصحي في تعز وتزايد عدد المصابين باسهاﻻت حادة يأتي في ظل شحة في اﻹمكانيات الطبية، وصعوبة الوضع المادي للناس. اﻷمر الذي أصبح يتطلب تحركا سريعا من كل الجهات المعنية.
وتعد الكوليرا واحدة من أسرع اﻷمراض القاتلة المعروفة، حيث تعد السمة اﻷبرز للمرض معاناة المريض من اﻻسهال المستنزف، لكن في أشكاله اﻷكثر حدة يعاني الشخص المصاب من انخفاض ضغط الدم إلى مستويات جدا متدنية خﻼل ساعة من بدء اﻷعراض، وقد يموت المصابين خﻼل 3 ساعات إذا لم يقدم لهم العﻼج.
وإلى جانب العوامل المعروفة المسببة لمرض الكوليرا، والتي يأتي في مقدمتها مياه الشرب غير النقية، فإن أكثر اﻷشخاص عرضة لﻺصابة، هم اﻷشخاص الذين يعانون من سوء التغذية. بحسب ما توضح مصادر طبية عديدة.
وترتفع معدﻻت سوء التغذية في محافظة تعز، جراء معاناة السكان الذين أصبح كثير منهم مهددون بالمجاعة والبعض أصبح يعيشها.
وتقول مصادر محلية في بعض المناطق الريفية، وأيضا اﻷحياء الفقيرة في مدينة تعز، أن بعض اﻷسر أصبحت تعتمد على وجبة واحدة في اليوم، وفي الغالب ﻻ يكون لديها فكرة عن كيفية توفير وجبة اليوم التالي، وزاد من استفحال المعاناة، توقف صرف رواتب الموظفين في المحافظة منذ تسعة أشهر، اﻷمر الذي تسبب في ركود إضافي لحركة السوق وتوقف اﻵﻻف عن أعمالهم، لينظموا إلى عشرات اﻵﻻف الذين أصبحوا يعيشون بطالة إجبارية منذ بدء الحرب قبل أكثر من عامين.
وتؤكد ايﻼن عبدالحق أن تزايد عدد المشتبه إصابتهم بالكوليرا، أصبح يعكس "واقعا مريرا لمستوى معيشة الناس في مدينة محاصرة وتشهد حربا" ﻻفتة إلى أن "الوباء غالبا ما يستهدف الفئات الضعيفة كاﻷطفال والنساء وكبار السن".
شحة اﻹمكانيات
في الخامس عشر من شهر يونيو الحالي، كان الضحية شخص يدعى عبدالحبيب ردمان (70)، توفى في مركز المعالجة بالمستشفى الجمهوري جراء إصابته بالكوليرا، وبعد أقل من ساعة على وفاته، سقطت على المستشفى قذيفتين أطلقتها مليشيا الحوثي وقوات صالح من مناطق تمركزها شرق المدينة.
ليست المرة اﻷولى التي يتعرض فيها مستشفى حكومي في تعز للقصف، غير أن الكوليرا أصبحت تقصف أيضا، وتخلف أعداد كبيرة من الضحايا، لتستفحل المأساة بالتزامن مع شحة اﻻمكانيات التي يواجه بها مركز المعالجة الوحيد في مدينة تعز هذا الوباء المستفحل.
ويشتكي العاملين في مركز المعالجة بالمستشفى الجمهوري، من التهميش وما يقولون أنه "تطنيش الجهات المعنية وعدم دعم المركز الدعم الﻼزم".
وطبقا لمصادر طبية هناك، فالمركز يستهلك في اليوم ما يزيد عن 400 قربة، وما يتوفر حاليا ﻻ يكفي ﻷسبوع آخر.
ويستقبل مركز مستشفى الجمهوري في اليوم الواحد ايضا أكثر 150 حالة، بمعدل رقود يومي يتجاوز 95 حالة. بينها حاﻻت حرجة.
ويعمل كادر المركز بالتعاون مع مختلف كوادر أقسام المستشفى، بشكل طوعي في ظل توقف صرف رواتبهم منذ تسعة أشهر، بينما المستشفى تعاني من قلة الماء، وتقول المصادر أن ما يتوفر "يتكفل به متبرعون، لكنه لم يعد يكفي بالنظر إلى تزايد عدد الحاﻻت".
وفي حديثها لﻼشتراكي نت, قالت الدكتورة ايﻼن, أن اﻻحتياجات الملحة في مراكز المعالجة تتمثل بتوفير "اﻷدوية من محاليل ومضادات حيوية ومواد تعقيم".
والى جانب مركز المعالجة في مستشفى الجمهوري بمدينة تعز, توجد مراكز اخرى في المحافظة وهي مركز الحرية في شرعب, ومستشفى الشهيد نصر شرعب ايضا, مركز البحر مقبنة, مركز أطباء بﻼ حدود في الحوبان.
شرعب اﻷكثر تضررا
يتركز أغلب المصابين باﻻسهاﻻت المائية الحادة في مديريات، شرعب، مقبنة، ماوية، والوازعية، غير أن مديرية شرعب الرونة تعد اﻷكثر تضررا.
فقد بلغ عدد الوفيات في مديرية شرعب الرونة جراء اﻹصابة بالكوليرا، 30 شخصا حتى منتصف هذا اﻷسبوع، كان أخرهم اﻷستاذ التربوي عبدالله غﻼب الذي توفى يوم الثﻼثاء الماضي.
وتبدو معاناة مديرية شرعب الرونة أشد وطأة من حيث ارتفاع عدد المصابين وأيضا لكون الكوليرا بدأت في اﻻنتشار هناك من
وقت مبكر، في ظل غياب الجهات المعنية، وعدم وجود أبسط أشكال الدعم الصحي والمعيشي. بحسب ما يوضح اﻷهالي.
وتحتاج المديرية بحسب مصادر طبية، إلى كوادر مؤهلة وأجهزة طبية ﻹنقاذ المرضى من مضاعفات الكوليرا. إلى جانب توفير وسائل نقل تكون جاهزة ﻹسعاف المصابين إلى مركز المعالجة قبل تفاقم مضاعفات اﻹصابة.
وتنتشر الكوليرا في مديريات شرعب بسبب انها, منطقة غيول وعدم وجود شبكة للصرف الصحي هناك الى جانب اختﻼط لمياه الشرب مع مياة الصرف الصحي.
حرب وكوليرا وصراعات جانبية
لم يشفع لمدينة تعز، أنها تواجه حربا عدوانية وحصار طوال أكثر من عامين، كما لم يشفع لها أنها أصبحت تواجه الكوليرا كوباء قاتل أصبح يتفاقم بسرعة. فالنخب السياسية والقيادات اﻹدارية في هذه المحافظة، ﻻ تزال تخوض صراعاتها الجانبية، غير المفهومة، بوتيرة عالية، دون أدنى تقدير لحجم المهام الملقى على عاتقها، "كما لم تقدر مسئوليتها القانونية واﻻخﻼقية". بحسب ما بات يشتكي كثيرين في مدينة تعز.
وتشدد الدكتورة ايﻼن عبدالحق، في منشورات على صفحتها في "فيس بوك" على أن الوباء أصبح بحاجة الى عمل متكامل، دعم مراكز المعالجة وكلورة مياه الشرب، وإصﻼح شبكة الصرف الصحي ورفع القمامة من الشوارع إلى جانب توعية الناس بطرق الوقاية من المرض.
وبرايها فإن "هذا يتطلب تضافر جهود منتسبي الصحة، ومشروع المياه، وصندوق النظافة بإشراف ودعم مباشر من السلطة المحلية والمنظمات الداعمة".
لكن المﻼحظ حتى اﻵن بحسب الدكتورة ايﻼن هو، أن هناك " تطنيش وتشتيت للجهود في أمور ثانوية، اﻷمر الذي أصبح ينذر بكارثة، ويعكس إلى أي حد وصل انعدام حس المسئولية عند صانعي القرار في المحافظة والصف اﻷول من القادة اﻹداريين الذين شغلتهم الحزبية وأعمت بصيرتها الصراعات الجانبية".
وأعلن في 27 أبريل/ نيسان الماضي، عن اجتياح وباء الكوليرا لعدد من المحافظات اليمنية، جراء انهيار المنظومة الصحية وتزايد إعداد المصابين بسوء التغذية.
وقالت منظمة الصحة العالمية اﻷحد الماضي، أن وباء الكوليرا في اليمن أسفر عن وفاة 1100 شخص بينما بلغ عدد المصابين نحو 160 ألف حالة.
* نقلا عن الإشتراكي نت